الخيانة لا تصفي حقوق شعبنا - صلاح دباجة


محاولة ترامب ونتنياهو وكذلك الإعلام الغربي والإسرائيلي والعربي الرجعي الخنوع ترويج ما جرى هذا الأسبوع في البيت الأبيض الأمريكي من توقيع اتفاق سلام بين اسرائيل والإمارات وإعلان التطبيع مع البحرين، وكأنه حدث تاريخي على طريق تحقيق السلام بين إسرائيل وبين العرب وإرساء أسس الاستقرار في المنطقة، هو تزوير للحقيقة وخداع وخيانة للشعب الفلسطيني، صاحب القضية المركزية في النزاع في الشرق الاوسط.

فقد وصف ترامب الحدث بأنه "يوم غير عادي للعالم، سيضع التاريخ في مسار جديد"، مشيدًا بما وصفه "فجر شرق أوسط جديد"!! كما رحب نتنياهو بالاتفاق، وقال: "هذا يوم محوري في التاريخ. إنه يبشر بفجر جديد من السلام"!!

في حين شكر وزير خارجية الإمارات، عبدالله بن زايد، نتنياهو على تَوجُّهه نحو "السلام" و"تجميد الضم"!

على الرغم ان الإتفاقيات، وفق ما نشره البيت الأبيض ليلة الأربعاء، لا تتضمن أي ذكر للتنازل عن مشروع الضم، أو أي ذكر لدولة فلسطينية، ولا حل الدولتين ولا أي ذكر أيضًا للمبادرة العربية ولا أي ذكر أيضًا للاحتلال!!

هذا الاحتفال جاء بعد أكثر من 20 سنة من التطبيع السري المشين بين هذه الدول المرتهنة وبين اسرائيل دولة الاحتلال، وبعد جهود مكثفة وابتزاز سافر من جانب الإدارة الامريكية لنواطيرها في هذه الدول بهدف تحقيق مكاسب سياسية لكل من المأزومَيْن ترامب ونتنياهو بسبب فشلهما المدوي في مواجهة جائحة الكورونا والازمة الاقتصادية المتصلة بها وبسبب اتساع الاحتجاجات الشعبية ضدهما الاول على خلفيَّة تفشي العنصرية والثاني على خلفية ملفات الفساد ضده التي قد تقوده الى السجن. خاصة وان المتغطرسين الاثنين ينتابهما اليوم ذعر انتخابي كبير، فانتخابات الرئاسة الامريكية على الأبواب واحتمال إجراء انتخابات عامة في إسرائيل أمرٌ وارِدٌ بسبب احتدام الصراع داخل مكونات الحكومة القائمة حاليًا وبسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية. فعملية التطبيع العلني بين إسرائيل وبين دولتي الإمارات والبحرين، والذي قد يتبعه مسلسل تطبيع مع عُمان والسودان والكويت والسعودية والمغرب، جاءت لتغيث ترامب ونتنياهو فقط. فالإمارات والبحرين وغيرها من دول الخليج لم تدخل في أي حرب ضد اسرائيل ولم يسقط لها أي جندي أو مواطن واحد في الحروب العدوانية التي شنتها اسرائيل على دول المنطقة فعن أي اتفاق سلام يمكن الحديث في ظروف ان هذه الدول لم تتمكن يوما، منذ نكبة شعبنا وحتى اليوم من اتخذ أي موقف يتعارض مع المخططات الاستعمارية في المنطقة المنحازة بالكامل لإسرائيل عدا عن ان هذه الدول تعاونت مع إسرائيل لضرب الانظمة الوطنية في المنطقة واستباحة حقوق شعبنا المشروعة وعليه فإنَّ اتفاق السلام معهما لا ينطوي على أي جديد ولا يساعد على ارساء اسس الاستقرار في المنطقة كونه يتجاهل حل القضية المركزية قضية فلسطين، ويزيد من تعقيدها ويعطل حلها.

فالزعم بما حصل في واشنطن بإنه حدث تاريخي غير صحيح وأننا على أعتاب شرق أوسط جديد أيضًا غير صحيح لأنَّ الجديد في الأمر هو خروج التعاون الاسرائيلي - الخليجي من السر الى العلن وانتقال هذه الأنظمة من موقع التآمر الى موقع الخيانة وهي لا تختلف عن الخيانة في كامب ديفيد التي قادها الرئيس المصري انور السادات واتفاق وادي عربة الذي وقعه ملك الأردن حسين بن طلال اللذان ينطويان على وقف العمليات القتالية بين هذين البلدين وبين إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء.

اما شكر وزير خارجية الامارات لنتنياهو على جهوده من اجل "السلام" و"تنازله" عن الضم فهو أمر معيب في ظل استمرار الاحتلال وتسارع عمليات الاستيطان وتصعيد جرائم إسرائيل في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. وهو محاولة بائسة لتبرير الخيانة المفضوحة للقضية الفلسطينية ولمبادرة السلام العربية وللمقررات الدولية وتجاهل حقيقة ما يحمله الاحتلال والاستيطان من ويلات ومآسٍ على شعبنا على مدار عشرات السنين منذ النكبة الفلسطينية 1948.

وكذلك للتغطية على انخراط هذه الدول الدنيء في مخطط تصفية القضية الفلسطينية (صفقة القرن) التي باشرت إدارة ترامب في تنفيذها بدء بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية من تل ابيب اليها والمساومة البائسة من هذه الإدارة على عدد اللاجئين الفلسطينيين حول العالم ، إذ تدَّعي واشنطن أن عددهم لا يتجاوز نصف مليون!! ووقف الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا) وقطع مختلف أشكال الدعم لشعبنا.

ومهزلة اخرى تكشف مدى انصاع هذه الدول للسيد الامريكي هي أنَّ وزير خارجية البحرين والوفد المرافق له لم يطلعوا، حتى يوم مراسيم التوقيع على الاتفاقيات، ما تضمنته الوثيقة التي سيوقع عليها!!

إنَّ ما يميز الإمارات والبحرين وباقي دول الخليج أنَّها أنظمة، منذ تسلمها زمام السلطة هناك، تخون مصالحها الوطنية وتتآمر على شعوبها وتحكم بالحديد والنار هذه الشعوب وتقضي على أي قوة تحاول تهديد بقائها في السلطة، أنظمة ظلامية مرتهنة لكن ترامب لا يتورع وكذلك نتنياهو عن التباهي في التعامل مع هذه الأنظمة في الوقت الذي يفرض فيه عقوبات اقتصادية جائرة على عشرات الدول حول العالم هي أكثر ديمقراطية واكثر تقدمًا ومخلصة في الدفاع عن حقوق شعوبها الوطنية، بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان. ترامب يحرض على التظاهر في إيران وفي كوبا وفي فنزويلا وفي هونغ كونغ في الوقت الذي يدعم فيه قتل المتظاهرين في البحرين وفي الامارات وفي السعودية ويصمت عن قتل المدنيين بالسلاح الامريكي في اليمن، كون هذه الدول أسواق كبيرة للسلاح الأمريكي. ويبدو انه حقق بعض النجاح في إقناع هذه الدول بأنَّ إسرائيل حليف قوي للعرب ضد إيران. كما ابتز هذه الدول بمئات مليارات الدولارات بادعاء تغطية مصاريف الحماية العسكرية الأمريكية لها مما يضطرها اليوم الى شراء المزيد من السلاح الامريكي وحتى المتطور منه، طبعًا بعد موافقة إسرائيل!! ودون تفقد إسرائيل تفوقها العسكري في المنطقة.

اما نتنياهو فيظهر تناغما كبيرا مع هؤلاء الحكام الى حد انهم امسوا يجسدون طموحه، بالتسلط والبقاء في الحكم وكأن البلاد مملكته الخاصة وحكمه مضمون فيها الى الابد. مملكة فيها شعب يحتل شعبًا اخر ويفرض سيطرته بالحديد والنار عليه ويستحوذ على ممتلكاته ومقدراته بدعم من واشنطن وبتواطؤ دولي وعربي ضاربًا عرض الحائط بالقوانين والشرائع والمواثيق الدولية.

اما على الصعيد العسكري فإن الاتفاق سيؤجج التوتر مجددًا مع إيران التي اعتبرته تهديدًا مباشرًا لها ولحدودها الممتدة على شاطئ الخليج، اذ اعتبرت أن الاتفاق يحول الإمارات إلى قاعدة قد ينطلق منها الإسرائيليون للإضرار بمصالحها وأمنها الإستراتيجي. وهذا ما سيصعد من وتيرة سباق التسلح في المنطقة ويضطر الإمارات إلى تخصيص المزيد من الميزانيات للإنفاق العسكري المرتفع أساسًا. وهذا ما يتنافى من نبوءات ترامب ونتنياهو بشأن شرق اوسط جديد.

والتجربة التاريخية تؤكد أنَّ مساعي الإدارات الأمريكية المحمومة لمواصلة فرض هيمنتها في المنطقة العربية بدعم من إسرائيل والأنظمة الرجعية العربية الموالية لها هي السبب الأساسي في عدم الاستقرار الدائم والحروب والنزاعات المتواصلة في هذه المنطقة.

أمّا على الصعيد الفلسطيني فهناك من يتصور أنَّ هرولة أنظمة العمالة في الخليج وغيرها من الدول العربية سيمكن ترامب ونتنياهو من تحقيق مبتغاهما في تنفيذ ما يسمى بـ"صفقة القرن" والالتفاف على الحقوق المشروعة والمعترف بها دوليًا للشعب الفلسطيني. وهنا نذكر بان مثل هذه التوقعات أعقبت اتفاق كامب ديفيد مع مصر واتفاق وادي عربة مع الاردن (اللذان كانا أكثر أثر على القضية الفلسطينية) عندما نعي البعض القضية الفلسطينية لكن الواقع كان معاكسا اذ اتسعت المقاومة الشعبية الى ان تفجرت الانتفاضة الاولى وثم الانتفاضة الثانية ضد الاحتلال ومن اجل الحرية وتقرير المصير. والموقف الفلسطيني اليوم بعد اجتماع قادة الفصائل الفلسطينية مع الرئيس الفلسطيني والقرار بتوسيع القاعدة الشعبية للمقاومة وتشكيل لجنة لإنهاء الانقسام المقيت وكذلك التأكيد مجددًا على التمسك بالثوابت الفلسطينية يجعلنا أكثر ثقة واطمئنانا تجاه المستقبل.

وتأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنّ السلام في الشرق الاوسط لن يتحقق الا عن طريق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة جاء لينسف كل محاولات نتنياهو لتسويق شعاره "السلام مقابل السلام" وكانه لا يوجد احتلال ولا حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني ولا قرارات دولية تدعم هذه الحقوق.

وحقيقة يجب تأكيدها وهي ان كل مواطن في اسرائيل وكل مواطن في العالم العربي وكذلك الرأي العام العالمي يعي ان السلام العادل والدائم في الشرق الاوسط مشروط بإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة ذات السيادة في حدود 67 وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين وان استمرار النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني سيبقى في مركز الحياة والسياسة والاقتصادية والاجتماعية في اسرائيل وتأثيره السلبي سينعكس على مجمل مناحي الحياة على الاقتصاد والأمن والثقافة في دولة الاحتلال.

عن الاتحاد
21/9/2020




® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com